الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وروى ابن جرير، من حديث علقمة بن مَرْثد، عن سليمان بن بُرَيدة، عن أبيه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى رَسْمَ قبر، فجلس إليه، فجعل يخاطب، ثم قام مستعبرًا. فقلنا: يا رسول الله، إنا رابنا ما صنعت.قال: «إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي، فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي». فما رئي باكيا أكثر من يومئذ.وقال ابن أبي حاتم، في تفسيره: حدثنا أبي، حدثنا خالد بن خِداش، حدثنا عبد الله بن وهب، عن ابن جرَيج عن أيوب بن هانئ، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود قال: خرجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقابر، فاتبعناه، فجاء حتى جلس إلى قبر منها، فناجاه طويلا ثم بكى فبكينا لبكائه ثم قام فقام إليه عمر بن الخطاب، فدعاه ثم دعانا، فقال: «ما أبكاكم؟» فقلنا: بكينا لبكائك.قال: «إن القبر الذي جلستُ عنده قبر آمنة، وإني استأذنتُ ربي في زيارتها فأذن لي» ثم أورده من وجه آخر، ثم ذكر من حديث ابن مسعود قريبا منه، وفيه: «وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي، وأنزل علي: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكر الآخرة».حديث آخر في معناه: قال الطبراني: حدثنا محمد بن علي المروزي، حدثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن كَيْسَان، عن أبيه، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقبل من غزوة تبوك واعتمر، فلما هبط من ثنية عُسْفان أمر أصحابه: أن استندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم، فذهب فنزل على قبر أمّه، فناجى ربَّه طويلا ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه، وبكى هؤلاء لبكائه، وقالوا: ما بكى نبي الله بهذا المكان إلا وقد أُحدثَ في أمته شيء لا تُطيقه. فلما بكى هؤلاء قام فرجع إليهم، فقال: «ما يبكيكم؟» قالوا: يا نبي الله، بكينا لبكائك، فقلنا: لعله أحدث في أمتك شيء لا تطيقه، قال: «لا وقد كان بعضه، ولكن نزلت على قبر أمي فدعوت الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة، فأبى الله أن يأذن لي، فرحمتها وهي أمّي، فبكيت، ثم جاءني جبريل فقال: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} فتبرّأ أنت من أمك، كما تبرأ إبراهيم من أبيه، فرحمْتُها وهي أمي، ودعوت ربي أن يرفع عن أمتي أربعًا، فرفع عنهم اثنتين، وأبى أن يرفع عنهم اثنتين: دعوتُ ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغَرَق من الأرض، وألا يلبسهم شيعا، وألا يذيق بعضهم بأس بعض، فرفع الله عنهم الرجم من السماء، والغرق من الأرض، وأبى الله أن يرفع عنهم القتل والهرج». وإنما عدل إلى قبر أمه لأنها كانت مدفونة تحت كَداء وكانت عُسْفان لهم.وهذا حديث غريب وسياق عجيب، وأغرب منه وأشد نكارة ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب السابق واللاحق بسند مجهول، عن عائشة في حديث فيه قصة أن الله أحيا أمَّه فآمنت ثم عادت.وكذلك ما رواه السهيلي في الروض بسند فيه جَمَاعة مجهولون: أن الله أحيا له أباه وأمه فآمنا به.وقد قال الحافظ ابن دِحْيَةَ: هذا الحديث موضوع يرده القرآن والإجماع، قال الله تعالى: {وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النساء: 18]. وقال أبو عبد الله القرطبي: إن مقتضى هذا الحديث... وردَّ عَلَى ابن دِحية في هذا الاستدلال بما حاصله: أن هذه حياة جديدة، كما رجعت الشمس بعد غيبوبتها فصلى عَلِيٌّ العصر، قال الطحاوي: وهو حديث ثابت، يعني: حديث الشمس.قال القرطبي: فليس إحياؤهما يمتنع عقلا ولا شرعا، قال: وقد سمعت أن الله أحيا عمه أبا طالب، فآمن به.قلت: وهذا كله متوقف على صحة الحديث، فإذا صح فلا مانع منه والله أعلم.وقال العوفي، عن ابن عباس في قوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر لأمه، فنهاه الله عن ذلك فقال: فإنّ إبراهيم خليل الله استغفر لأبيه، فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} الآية.وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، في هذه الآية: كانوا يستغفرُون لهم، حتى نزلت هذه الآية، فلما نزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا ثم أنزل الله: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ} الآية.وقال قتادة في هذه الآية: ذُكر لنا أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا نبي الله، إن من آبائنا من كان يحسن الجوار، ويصل الأرحام، ويفُكّ العاني، ويوفي بالذمم؛ أفلا نستغفر لهم؟ قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بلى، والله إني لأستغفر لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه». فأنزل الله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} حتى بلغ: {الْجَحِيمِ} ثم عذر الله تعالى إبراهيم، فقال: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} قال: وذُكر لنا أن نبي الله قال: «أوحى إليّ كلمات، فدخلن في أذني ووقَرْن في قلبي: أمِرْتُ ألا أستغفرَ لمن مات مشركا، ومن أعطى فَضْلَ ماله فهو خيرٌ له، ومن أمسك فهو شرٌ له، ولا يلوم الله على كَفاف».وقال الثوري، عن الشيباني، عن سعيد بن جُبير قال: مات رجل يهودي وله ابن مسلم، فلم يخرج معه، فذكر ذلك لابن عباس فقال: فكان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه، ويدعو له بالصلاح ما دام حيا، فإذا مات وكَّله إلى شأنه ثم قال: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} لم يَدْعُ.قلت وهذا يشهد له بالصحة ما رواه أبو داود وغيره، عن علي بن أبي طالب قال: لما مات أبو طالب قلت: يا رسول الله، إن عمك الشيخ الضال قد مات.قال: «اذهب فَوَاره ولا تُحْدثَنَّ شيئا حتى تأتيني». وذكر تمام الحديث.ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مَرّت به جنازة عمه أبي طالب قال: «وَصَلتكَ رَحِمٌ يا عم».وقال عطاء بن أبي رباح: ما كنت لأدع الصلاة على أحد من أهل القبلة، ولو كانت حبشية حبلى من الزنا؛ لأني لم أسمع الله حجب الصلاة إلا على المشركين، يقول الله، عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}.وروى ابنُ جَرير، عن ابن وَكِيع، عن أبيه، عن عصمة بن زامل، عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة يقول: رحم الله رجلا استغفر لأبي هريرة ولأمه. قلت: ولأبيه؟ قال: لا.قال: إن أبي مات مشركا.وقوله: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} قال ابن عباس: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه. وفي رواية: لما مات تبين له أنه عدو لله.وكذا قال مجاهد، والضحاك، وقتادة، وغيرهم، رحمهم الله.وقال عُبَيْد بن عمير، وسعيد بن جُبَيْر: إنه يتبرأ منه في يوم القيامة حين يلقى أباه، وعلى وجه أبيه الغُبرة والقُتْرة فيقول: يا إبراهيم، إني كنت أعصيك وإني اليوم لا أعصيك. فيقول: أيْ رَبي، ألم تعدني ألا تخزني يوم يبعثون؟ فأيّ خزْي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقال: انظر إلى ما وراءك، فإذا هو بِذِيخٍ متلطخ، أي: قد مسخ ضِبْعانًا، ثم يسحب بقوائمه، ويلقى في النار.وقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} قال سفيان الثوري وغير واحد، عن عاصم بن بَهْدَلة، عن زِرّ بن حُبَيش، عن عبد الله بن مسعود أنه قال: الأواه: الدَّعَّاء. وكذا روي من غير وجه، عن ابن مسعود.وقال ابن جرير: حدثني المثنى: حدثنا الحجاج بن مِنْهال، حدثنا عبد الحميد بن بَهْرام، حدثنا شَهْر بن حَوشب، عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس قال رجل: يا رسول الله، ما الأوّاه؟ قال: «المتضرع»، قال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ}ورواه ابن أبي حاتم من حديث ابن المبارك، عن عبد الحميد بن بَهْرَام، به، قال: المتضرع: الدَّعَّاء.وقال الثوري، عن سلمة بن كُهَيْل، عن مسلم البَطِين عن أبي العُبَيْديْن أنه سأل ابن مسعود عن الأواه، فقال: هو الرحيم.وبه قال مجاهد، وأبو ميسرة عمرو بن شُرَحْبيل، والحسن البصري، وقتادة: أنه الرحيم، أي: بعباد الله.وقال ابن المبارك، عن خالد، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس قال: الأوَّاه: الموقن بلسان الحبشة. وكذا قال العوفي، عن ابن عباس: أنه الموقن. وكذا قال مجاهد، والضحاك. وقال علي بن أبي طلحة، ومجاهد، عن ابن عباس: الأواه: المؤمن- زاد علي بن أبي طلحة عنه: المؤمن التواب. وقال العوفي عنه: هو المؤمن بلسان الحبشة. وكذا قال ابن جُرَيْج: هو المؤمن بلسان الحبشة.وقال أحمد: حدثنا موسى، حدثنا ابن لهِيعة، عن الحارث بن يزيد، عن علي بن رباح، عن عقبة بن عامر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل يقال له ذو البِجادين: «إنه أواه»، وذلك أنه رجل كثير الذكر لله في القرآن ويرفع صوته في الدعاء.ورواه ابن جرير.وقال سعيد بن جبير، والشعبي: الأواه: المسبّح. وقال ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جُبَير بن نفير، عن أبي الدرداء، رضي الله عنه، قال: لا يحافظ على سبحة الضحى إلا أواه. وقال شُفَى بن مانع، عن أيوب: الأواه: الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها.وعن مجاهد: الأواه: الحفيظ الوجل، يذنب الذنب سرا، ثم يتوب منه سرا.ذكر ذلك كلَّه ابن أبي حاتم، رحمه الله.وقال ابن جرير: حدثنا ابن وَكِيع، حدثنا المحاربي، عن حجاج، عن الحكم، عن الحسن بن مسلم بن يناق: أن رجلا كان يكثر ذكر الله ويسبّح، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «إنه أواه».وقال أيضا حدثنا أبو كُرَيب، حدثنا ابن يمان، حدثنا المِنْهَال بن خليفة، عن حَجّاج بن أرطأة، عن عطاء، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن ميتا، فقال: «رحمك الله إن كنتَ لأواها»! يعني: تَلاءً للقرآن وقال شعبة، عن أبي يونس الباهلي قال: سمعت رجلا بمكة- وكان أصله روميا، وكان قاصا- يحدث عن أبي ذر قال: كان رجل يطوف بالبيت الحرام ويقول في دعائه: أوّه أوّه، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إنه أواه».قال: فخرجت ذات ليلة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفن ذلك الرجل ليلا ومعه المصباح.هذا حديث غريب رواه ابن جرير ومشاه.وروي عن كعب الأحبار أنه قال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ} قال: كان إذا ذكر النار قال: «أوّه من النار».وقال ابن جُرَيْج عن ابن عباس: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ} قال: فقيه.قال الإمام العلم أبو جعفر بن جرير: وأولى الأقوال قول من قال: إنَّه الدعَّاء، وهو المناسب للسياق، وذلك أن الله تعالى لما ذكر أن إبراهيم إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه، وقد كان إبراهيم كثير الدعاء حليما عمن ظلمه وأناله مكروها؛ ولهذا استغفر لأبيه مع شدة أذاه في قوله: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قال سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 46، 47]، فحلم عنه مع أذاه له، ودعا له واستغفر؛ ولهذا قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ}. اهـ.
.قال الشوكاني في الآيتين: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى}لما بيّن الله سبحانه في أول السورة وما بعده أن البراءة من المشركين والمنافقين واجبة، بين سبحانه هنا ما يزيد ذلك تأكيدًا، وصرّح بأن ذلك متحتم، ولو كانوا أولي قربى، وأن القرابة في مثل هذا الحكم لا تأثير لها.وقد ذكر أهل التفسير أن {ما كان} في القرآن يأتي على وجهين: الأوّل: على النفي نحو: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} [آل عمران: 145]، والآخر: على معنى النهي نحو: {مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله} [الأحزاب: 53] و{مَا كَانَ لِلنَّبِىّ والذين ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} وهذه الآية متضمنة لقطع الموالاة للكفار، وتحريم الاستغفار لهم، والدعاء بما لا يجوز لمن كان كافرًا، ولا ينافي هذا ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال يوم أحد حين كسر المشركون رباعيته وشجوا وجهه: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، لأنه يمكن أن يكون ذلك قبل أن يبلغه تحريم الاستغفار للمشركين.وعلى فرض أنه قد كان بلغه، كما يفيده سبب النزول، فإنه قبل يوم أحد بمدّة طويلة، وسيأتي.فصدور هذا الاستغفار منه لقومه إنما كان على سبيل الحكاية عمن تقدّمه من الأنبياء، كما في صحيح مسلم عن عبد الله، قال: كأني أنظر إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء ضربه قومه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: «ربّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» وفي البخاري، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكر نبيًا قبله شجه قومه، فجعل النبي يخبر عنه بأنه قال: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» قوله: {مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أصحاب الجحيم} هذه الجملة تتضمن التعليل للنهي عن الاستغفار، والمعنى: أن هذا التبين موجب لقطع الموالاة لمن كان هكذا، وعدم الاعتداد بالقرابة؛ لأنهم ماتوا على الشرك.
|